علي الدوسري ش/7 فيزيائي مبدع
المساهمات : 72 تاريخ التسجيل : 14/04/2012
| موضوع: عنصر اليورانيوم والانشطار النووي؟! الإثنين مايو 21, 2012 2:09 am | |
| عنصر اليورانيوم
يعتبر اليورانيوم اثقل عنصر وجد في الطبيعة ، وهو معدن كباقي المعادن المعروفة الا انه كان عديم الفائدة من الناحية الاقتصادية، ولحد بدايات القرن الماضي ،كان يهمل كناتج عرضي حين مصاحبته للمعادن المهمة كالنحاس مثلا اثناء عمليات التعدين. ولكن مع بداية القرن اكتشفت له خواص عجيبة جعلته موضع اهتمام الدول العظمى ، ففي كندا مثلا والتي يتواجد بها اليورانيوم بكميات كبيرة ، كان اول استخدام لليورانيم محصورا في تطوير وصناعة القنابل النووية التي اسقطت على هيروشيما ونكاساكي اليابانيتين عام 1945. وبذلك اصبحت الفعاليات الصناعية الرامية لاستخلاصه من التربة والصخور الكندية تحددها انتاج القنابل الذرية والهيدروجينية. ففي عام 1956 مثلا اصبحت صادرات اليورانيوم من كندا تمثل رابع سلعة في قائمة التصدير بعد لدائن الورق والاخشاب والقمح، وكل اوقية تصدر منه كانت تذهب لصناعة القنابل في امريكا وبدرجة ادنى في بريطانيا. حاليا مازالت كندا هي اكبر منتج ومصدر لليورانيوم في العالم ، وكما يدعي مؤيدوا الطاقة النووية، ان استعماله مفيد للانسانية في اغراض سلمية كمصدر طاقة في مفاعلات نووية ذات طبيعة مدنية ليست عسكرية، وكندا ايضا من الدول القليلة التي تتمتع بالتوسع وزيادة انتاجها. وحاليا تجري مناقشات في اروقة الحكومة المحلية لمحافظة ساسكاجوان الكندية حول تأثيرات استخراج اليورانيوم على البيئة وهي تتعلق بحفر خمسة مناجم جديدة. وعمليات الحفر هذه وجدت من يساندها بالرغم من انخفاض اسعار اليورانيوم العالمية الى ادنى مستوياتها. فالاسعار بدأت بالانخفاض قبل خمسة عشر سنة نتيجة كارثة انجار مفاعل الكهرباء جيرنوبل في روسيا عام 1986 ، كي تصل الان الى اسعار واطئة غير مسبوقة. ان القيمة التجارية والاخطار الناجمة عن استخدام اليورانيوم يعتمدان على خاصيتين غريبتين نوعما الا وهما قابليته على الاشعاع الذري الطبيعي والانشطار النووي الذي احدثه الانسان. وللعلم فان خاصية الاشعاع تختلف كليا عن خاصية الانشطار ويجب التفريق بينهما وعدم الخلط بينهما كي يسهل فهم الموضوع.
ألاشعاع الذري الطبيعي تم أكتشاف الاشعاع الذري عن طريق الصدفة عام 1986 حين وضع العالم هنري بيكيريل قطعة صخرية صغيرة في درجه بالمختبر وكانت الصخرة حاوية على عنصر اليورانيوم وكان في الدرج فلم فوتوغرافي مغلف جيدا بحيث لا يدخله الضوء ليتلفه. بعد عدة اسابيع اخرج بيكيريل الفلم لتحميضه واظهار الصور المصورة فيه ، لاحظ وجود اشعاعات ضوئية في الفلم وبالتحديد في نفس نقطة التماس بين الفلم والصخرة الصغيرة. لم تمر هذه الظاهرة الغريبة على العالم بيكيريل وحدة ملاحظته بان فلما فوتوغرافيا مغلف جيدا وموضوع في ظلام دامس يتعرض الى اشعاع نتيجة ملامسته لقطعة صخرية صغيرة الا في حالة كون الصخرة او بالتحديد اليورانيوم الموجود فيها هو مصدر تلك الاشعة النافذة التي تمكنت من اختراق المغلف والوصول للفلم. وبذلك اكتشف بيكيريل خاصية الاشعاع الذري لليورانيوم.
أعقبت ذلك دراسات وتجارب اجرتها العالمة ماري كيوري حيث حصلت على عدة اطنان من صخور تحتوي على اليورانيوم وقامت بتكسيرها وتحويلها الى مسحوق ناعم ثم قامت بعزل اليورانيوم عن باقي مكونات الصخرة (اذابت مسحوق الصخرة في حامض وحصلت على اليورانيوم وهذه الطريقة مازالت تستخدم الى يومنا هذا في مناجم اليورانيوم) لاحظت ماري كيوري انه حتى بعد ازالة اليورانيوم من مسحوق الصخور فان هذا المسحوق يبقى مشعا ، ونحن نعلم الان انه بعد فصل اليورانيوم فان 85% من الاشعاع الاصلي يبقى في مسحوق الصخور. وهنا تكمن الخطورة في صخور المناجم المفتتة والناعمة والتي تبقى مصدر اشعاع لالاف السنين بعد استخلاص اليورانيوم منها وتركها في العراء تحت ظروف الطبيعة من امطار ورياح لتنتشر في البيئة.
نعود للعالمة ماري كيوري فبعد ان فصلت كل العناصر الكيمياوية المعروفة وازالتها بقي في زجاجتها المختبرية اليورانيوم المذاب في الماء. تخلصت من الماء بتسخينه وتحويله الى بخار ونظرت الى الزجاجة الفارغة وظنت انها لم تحصل على اليورانيوم كما توقعت. والحقيقة ان الناتج النهائي لليورانيوم المستخلص من عدة اطنان من الصخور هو ضئيل جدا بحيث لم تستطع ماري كيوري مشاهدته في الزجاجة. ولكن حينما عادت للمختبر في الليل وجدت الزجاجة متوهجة وتشع بقوة. استمرت ماري كيوري في بحوثها فاكتشفت عنصرين مشعين هما الراديوم والبولونيوم ، ونحن نعلم الان انهما ناتجان عرضيان وحتميان لليورانيوم.
وبحلول عام 1906 استكمل العلم كافة الحقائق المتعلقة بموضوع الاشعاع الذري ولكن مسبباته بقيت مجهولة. لذا توجب على العلماء ان يزيحوا الستار عن ماهية الذرة واسرارها. فالذرة هي اصغر وحدة في اي عنصر من عناصر الطبيعة وذرات كل عنصر متشابهة وتمتلك نفس الخواص واذا اتحد عنصران او اكثر لتكوين مركب جديد فان الذرات هي التي تتحد وتكون مجموعة ذرية تختلف في خواصها عن الذرات العنصرية الاصلية. فمثلا حين يتحد غاز الهيدروجين مع غاز الاوكسيجين وتحت ظروف معينة ينتج الماء وبدراسة هذا الاتحاد على المستوى الذري نشاهد ذرة واحدة من الاوكسيجين تتحد مع ذرتين هايدروجين لتكوين جزيئة ماء واحدة تحتوي هذه الذرات الثلاثة. هذه الذرات موجودة منذ القدم ولغاية الان بحالة مستقرة غير قابلة للتغيير ، ونفس الذرات كانت موجودة قبل ملايين السنين منذ ان وجد الماء في الطبيعة ولم يطرأ عليها او على خواصها اية تغييرات وهي تتطابق في الخواص مع ذرات الهيدروجين والاوكسجين المكونة للماء في وقتنا هذا. اما العناصر المشعة فان ذراتها غير مستقرة لاحتوائها على طاقات هائلة وتميل دوما للانفجار للتخلص من الطاقة المخزونة وتستمر سلسلة الانفجارات (على المستوى الذري المتناهي في الصغر) وهذه الظاهرة تسمى الاشعاع الذري او التفتت الاشعاعي. وحين يحدث الانفجار المتناهي في الصغر تنبعث من الذرة اجسام مشحونة بشحنات كهربائية هي ايضا متناهية في الصغر يطلق علي اهمها الفا وبيتا المسببة لاضرار عظيمة لانها تنطلق بسرعات فائقة تحت تاثير طاقات هائلة.
مخلفات الاشعاع الذري الطبيعي و التفتت
حينما تنفجر ذرة مشعة فانها تتغير وتصبح ذرة جديدة (اي ان المعدن الاصلي قبل انفجار ذراته يتحول تدريجيا الى معدن اخر جديد بعد انفجار ذراته لان كل ذرة تنفجر تتغير الى ذرة جديدة). فعنصر الراديوم هو احد المعادن الناتجة عن انفجار ذرات اليورانيوم. لذلك فحيثما وجد اليورانيوم في الارض فانه دوما يكون بمعية عنصر الراديوم لانه احد نواتج التفتت الاشعاعي لليورانيوم كما يوجد حوالي عشرة عناصر اخرى وكلها نتجت كمخلفات للتفتت الاشعاعي المستمر لليورانيوم. وبصورة اكثر دقة يمكننا القول اثناء تفتت اليورانيوم فانه يتحول تدريجيا الى عنصر يسمى بروتاكتنيوم وهو ايضا عنصر مشع وحينما يتفتت يتحول تدريجيا الى عنصر الثوريوم وحين يتفتت الثوريوم يتحول تدريجيا الى عنصر الراديوم وهذا بدوره حين يتفتت يتحول الى غاز الرادون وحين تتفتت ذرات غاز الرادون ينتج عن ذلك ذرات عديدة تعرف باطفال الرادون او بنات الرادون ويوجد منها حوالي ستة انواع من العناصر المشعة. وفي نهاية سلسلة التحولات المصحوبة دوما بالاشعاعات ، يتم التوصل الى عنصر ذو ذرات مستقرة وهو الرصاص الذي لا يشع وبذلك يعتبر عديم الخطورة مقارنة بآبائه ذوي الاشعاع مع انه عنصر سام. اذن في الصخور الحاوية على معدن اليورانيوم تتواجد كل المخلفات التي نتجت عن تفتته الاشعاعي والتي تكونت بصورة تدريجية منذ وجود الطبيعة ولحد الان وحينما تقوم الشركات بطحن الصخور واستخلاص اليورانيوم منها فقط وتترك الصخور المطحونة بكل ما تحويه من المخلفات المشعة لتحدث تلوث بيئي غير مسبوق.
عنصر الراديوم في بدايات القرن الماضي لم تكن هناك صناعة مبنية على استخدام اليورانيوم وانما اتضح مجالان لاستخدام الراديوم وهو مصاحب لليورانيوم واكثر اشعاعا منه. المجال الاول استند على الحروق الدائمية التي اصيب بها العالم بيكيريل والعالمة ماري كيوري نتيجة تعرضهم وملامستهم الراديوم اثناء قيامهم بالبحوث والتجارب ، فقام فريق من الاطباء بغرز ابرة ملوثة بعنصر الراديوم في جسد مريض مصاب بالسرطان فاستطاعوا قتل وحرق الخلايا السرطانية التي في جسمه. والمجال الثاني كان الاستفادة من ظاهرة التوهج في الظلام التي يحدثها الراديوم، فقاموا بخلط كمية قليلة جدا من الراديوم مع صبغة عادية وصبغوا عقارب وارقام في اجهزة عسكرية دقيقة بحيث تضيئ الارقام والعقارب في الظلام ولا يحتاج الجندي لاضاءة اخرى لقراءتها. بعد فترة وجيزة لوحظ الكثير من الامراض على النساء العاملات في عملية الصبغ. كانت المرأة العاملة تبلل فرشاة الصبغ بطرف لسانها لتسهيل صبغ الاجهزة الدقيقة. كان عمر العاملات يتراوح بين الثامنة عشر والعشرين سنة، وانتشرت بينهن الام الفم والاسنان وقام طبيب الاسنان (بلوم) بالكشف عليهن فلاحظ تساقط الاسنان والتهابات حادة في اللثة وضعف عام في العظام ولاحظ احدى الفتيات قد تفتت فكها وتوفيت اخرى نتيجة فقر الدم. العامل المشترك بين المريضات هو ان جميعهن يعملن في شركة صبغ الاجهزة ويستخدمن الصبغ المخلوط بكميات قليلة جدا من الراديوم. قام الاطباء بتشريح جثث المتوفيات منهن فوجدوا ان كمية الراديوم الضئيلة جدا في العظام قد انتشرت في كل الهيكل العظمي وتنبعث منها اشعاعات لو وضع عليها فلم اشعة طبية فيمكن للعظام ان تظهر بالفلم دون الحاجة لماكنة الاشعة الطبية المعروفة في المستشفيات. اما الفتيات اللائي بقين على قيد الحياة فقد اصبن بسرطان الرأس والجيوب الانفية والان قد علمنا المسبب الرئيسي للافات هو وجود الراديوم المشع في اجساد الفتيات، وكما ذكرنا سابقا بان ناتج تفتت الراديوم هو غاز الرادون الذي ينبعث داخل الجسم ولمعرفة ان كان المصاب قد دخل الراديوم في جسده يفحص زفيره للتاكد من انبعاث غاز الرادون في نفسه. وفي حالة الفتيات العاملات في صبغ الاجهزة فان غاز الرادون المنبعث من العضام ذاب في الدم وانتقل للراس والجيوب الانفية والانسجة الرقيقة الاخرى محدثا انواع السرطانات التي حصلت لهن.
غاز الرادون ابتداءً من القرن الخامس عشر والقرون التي تلته لوحظ حصول امراض رئوية بين العاملين في مناجم جبال الارز في كندا وحدوث وفيات كثيرة نتيجة هذه الامراض، واخيرا في نهاية القرن التاسع عشر تم تشخيص المرض على انه سرطان الرئة وهذا المرض لم يكن معروفا في بقية افراد المجتمع الذين لم يتواجدوا قرب المناجم. وفي عام 1930 تم تحديد اسباب الاصابة بسرطان الرئة و الموت الذي يعقبه لتعرض المصاب وتنفسه مواد مشعة منبعثة من المناجم. أجرى الباحثون تجارب مكثفة على الحيوانات واستنتجوا ان غاز الرادون هو المسبب الرئيسي للاصابة بسرطان الرئة.
بنات غاز الرادون لم تحصل قناعة كافية لدى العلماء بان كمية ضئيلة جدا من غاز الرادون وباشعاع قليل نسبيا يمكنها ان تتسبب في السرطان وكانوا مخطئين في ذلك. فقد اهملوا قاعدة علمية اساسية الا وهي ان الاشعاع القليل المنبعث من غاز الرادون يمكن ان يتضاعف خمسة اضعاف بعد ترك الغاز لمدة ثلاثة ساعات والسبب هو التفتت الطبيعي لذرة الرادون وانتاج ذرة مشعة جديدة وتفتت هذه ايضا وانتاج اخرى اكثر اشعاعا من سابقتها وهكذا، وكما اسلفنا يطلق على نواتج التفتت اسم بنات غاز الرادون واسوأ البنات هي البولونيوم السامة جدا، لذلك فالعاملين بالمناجم حين دخولهم منجم يكون فيه غاز الرادون قد تفتت وانتج عدة بنات فانهم يتعرضون لاشعاعات تبلغ اضعاف اشعاعات الغاز الاب.
الأنشطار النووي في عام 1942 اصبحت لليورانيوم ولاول مرة في تاريخه قيمة تجارية لاتضاهى وكان في السابق ينتج كعنصر عرضي مصاحب للراديوم الذي استخدم طبيا وفي الاصباغ كما ذكرنا. اما الان فاليورانيوم اصبح هو المطلوب الرئيسي لانه ثبت للعسكريين امكانية صنع قنبلة ذرية من اليورانيوم. حيث كان قد تم اكتشاف خاصية الانشطار النووي في اليورانيوم تلك الخاصية الفريدة التي لا توجد في العناصر المشعة الاخرى وانشطار اليورانيوم ينتج طاقة هائلة تدمر مدينة باكملها كالقنبلة الذرية او تحول الماء الى بخار لتوليد الكهرباء كما في المفاعلات النووية. وكما قلنا فان الانشطار النووي يختلف كليا عن خاصية الاشعاع الذري الطبيعي الذي لا يستطيع الانسان التدخل فيه او ايقافه، بينما الانشطار النووي هو من اختراع الانسان ويستطيع السيطرة عليه او ايقافه متى اراد. وفجأة اصبح اليورانيوم مرغوبا به فتم ارسال العمال ثانية للمناجم وحددت كمية الاشعاع المسموح للعامل التعرض لها وهي نفس الكمية التي تعرض لها عمال المناجم في نهاية القرن التاسع عشر، وايضا حصلت امراض سرطانية بين العمال كالتي حصلت لمن سبقوهم في المهنة وازدادت نسبة وفياتهم. والسؤال المحير هو لماذا لم يتم توقع الاضرار المعروفة والمتوقعة ان تحصل. مالفرق اذن بين الاشعاع الذري الطبيعي وبين الانشطار النووي، الاشعاع الذري يحصل تلقائيا وبدون تدخل الانسان ويؤدي الى تفتت ذرة اليورانيوم بصورة تدريجية، اما الانشطار فيحدث حين رشق ذرة اليورانيوم، او بالاصح نواتها، باجسام متناهية في الصغر تسمى نيوترونات عند ذلك تنشطر النواة وتتكسر الى جزئين او ثلاثة اجزاء فقط ولا تتفتت كما في الاشعاع الذري ويصاحب عملية الانشطار انطلاق نيوترونات جديدة وطاقة هائلة تعادل 400 ضعف الطاقة الناجة خلال الاشعاع الذري. المسبب للانشطار هو رشق نيوترون على نواة اليورانيوم وللمزيد من الانشطارات ترشق نوى اخرى بمزيد من النيوترونات ولوقف الانشطار يجب ايقاف قذف النيوترونات ، وبهذه الطريقة يتحكم الانسان بالانشطار النووي ، وبعكسه فان الاشعاع الذري الطبيعي يستمر على وتيرة واحدة ولايمكن للانسان التحكم فيه وهذه اهم مشكلة تعاني منها البشرية حاليا في الاشعاعات الدائمية للمخلفات النووية المشعة اشعاعا طبيعيا. فالانشطار اذن يعتمد على كمية النيوترونات المقذوفة على الانوية ويبدأ بقذف نيوترون واحد على نواة يورانيوم واحدة وكما اسلفنا تنطلق نيوترونات جديدة وطاقة هائلة وهذه النيوترونات الجديدة لنفترض اثان منها يسببان انشطار نواتين وينتج اربعة نيوترونات تشطر اربعة نوى فينتج ثمانية نيوترونات تشطر ثمانية نوى ولو استمرينا بهذه العملية فبعد ستين مرحلة مثلا يتم انشطار اربعين بليون بليون نواة في اقل من جزء بالالف من الثانية وهذا الانشطار المتسلسل (يطلق عليه التفاعل المتسلسل) هو اساس القنبلة الذرية والمفاعلات النووية في محطات الكهرباء. حينما تنشطر كل نواة من اليورانيوم وتتكسر الى جزئين او ثلاثة اجزاء مختلفة وكبيرة نسبيا، تصبح هذه الاجزاء المشعة مخلفات الانشطار وتتخذ اسماء عديدة قد تصل الى ثلاثمئة اسم لكل منها خواصها الكيميائية وتأثيراتها البيولوجية على الطبيعة وعلى صحة الانسان ومعظم الاجزاء لم تكن متواجدة في الطبيعة قبل ان يتعلم الانساء اجراء عملية الانشطار. مخلفات الاشعاع الذري كالراديوم والبولونيوم وغاز الرادون كلها نتجت عن تحول اليورانيوم من عنصر الى اخر بصورة طبيعية اما مخلفات الانشطار النووي بعد انفجار قنبلة ذرية او انفجار مفاعل كشيرنوبيل مثلا تنتج مواد جديدة كاليود 131 المشع والسترونتيوم 90 والسيزيوم 137 والكريبتون 85 وبقية الاجزاء الثلاثمائة هي اجزاء نواة اليورانيوم المنشطرة او المكسرة. فالسموم المشعة التي انطلقت من مفاعل شيرنوبيل كانت عبارة عن اجزاء لنوى يورانيوم منشطرة وبالمناسبة فان 80% من الاشعاعات المنطلقة من المفاعل كانت نتيجة تسرب كيلوغرامين من هذه المكسرات المشعة من المفاعل للخارج.ومنذ الانفجار عام 1986 ولسنوات عديدة بعده تلوثت اغنام بعيدة جدا عن شيرنوبيل بالسيزيوم 137 واصبحت غير صالحة للاستهلاك البشري، وهذه المادة القاتلة وثلاثمئة مادة مشابهة لها في الفتك كلها نتجت عند انشطار الذرات الام (اليورانيوم) بواسطة الانسان.
الخلاصة اذن اصبح مفهوما لدينا اولا: ان الاشعاع الذري الطبيعي المستمر: يحصل لليورانيوم ويخلف عناصر مشعة اخرى وغاز الرادون الذي يخلف بناته ، ومجموع المخلفات لا يتعدى الاثنا عشر مادة تتواجد في الصخور مع اليورانيوم. ينشط الاشعاع اثناء طحن الصخور ومن ثم استخلاص اليورانيوم منها وتركها تنتشر في البيئة و تشع لالاف السنين محدثة اضرارا صحية هائلة في مقدمتها السرطان. تقدر كمية الصخور المسحوقة في كندا 200 مليون طن موزعة على المناجم المتروكة والمستغلة وهذه الصخور تحوي 85% من الاشعاع الاصلي للخام وقدر العلماء ان كمية الاشعاع سوف تنخفض الى النصف بعد 80 الف سنة. (نصف العمر الاشعاعي للصخور المطحونة هو 80 الف سنة). طحين الصخور هذا ينتشر بواسطة الهواء او مياه الامطار ويختلط مع المياه السطحية او الجوفية ، ونذكر انبعاث غاز الرادون كحلقة في مسلسل الاشعاع الذري، هذا الغاز اثقل من الهواء بثمانية مرات فيبقى ملامسا لسطح الارض وهبوب هواء معتدل يمكن ان ينقله ويبعده الاف الاميال عن مصدره في المنجم. فيستقر على الاشجار والنباتات ويلوث الاسماك وتستنشقه الحيونات والانسان. وكما علمنا ان بنات الرادون المشعة تولد من هذا الغاز. انتشار الرادون في الطبيعة الواسعة هو احد الاخطار التي يحاول مؤيدوا الطاقة النووية اخفاءها عن المجتمع. فكيف يتم القضاء السليم على اشعاعات 200 مليون طن من مطحون الصخور بعد ان يصبح المنجم غير مجدي اقتصاديا وتتركه الشركة المنقبة وتبحث عن صخور اخرى جديدة؟؟ وثانيا : الانشطار النووي الذي اكتشفه الانسان وتحكم في نتيجتيه المعروفتين اما قنبلة ذرية او مفاعل ذري لتوليد الكهرباء وهذا يحدث نتيجة انشطار ذرة اليورانيوم او بالاصح نواتها برشقها بجسيمات صغيرة تدعى النيوترونات مولدة بذلك طاقة هائلة تدمر البشرية او تسخن الماء وتحوله الى بخار قادر على توليد الكهرباء وهذه الطاقة تكون مصحوبة بتحرير نيوترونات جديدة راشقة. النواة المرشوقة تتكسر الى الى جزئين او ثلاثة او اربعة وكل نواة تتكسر الى اجزاء تختلف عن اجزاء النواة الاخرى وقد تم معرفة ثلاثمائة جزء غريب لحد الان لم تكن اصلا موجودة في الطبيعة وكلها مشعة وكلها تتحلل بصورة تدريجية لالاف السنين وكلها مضرة. وتشكل هذه بمجموعها نفايات الطاقة الذرية المفيدة للبشرية، كما يتبجح مؤيدوها بتسميتها، سواء بعد تفجير القنبلة او بعد اخراج الوقود من المفاعل.
الاستنتاج: كل اليورانيوم ينتهي اما في قنبلة ذرية او في مفاعل توليد الكهرباء، القنبلة لا تصلح لعالم يتصف سكانه بالحكمة فهيروشيما ونكاساكي اثبتت بما لا يقبل الشك جنون مستخدميها. وتوليد الكهرباء لا يحتاج الى طاقة نووية ، وكل ما يحتاجه التوليد هو دوران دولاب وهذا يمكن تحقيقه بواسطة قوة اندفاع او سقوط الماء او قوة الهواء او البخار الذي يمكن انتاجه بحرارة الشمس عوضا عن الطاقة النووية. لذا نستنتج ان الطاقة النووية مازالت تبحث عن استخدام بديل للقنبلة او المفاعل استخدام غير مضر للبيئة او للانسان الحالي او الانسان الذي سوف يسكن الارض بعد الاف السنين. ولغاية الان لم تعثر على هذا البديل وربما في المستقبل. | |
|